أخبار وطنية في اختيار رؤساء القائمات: أحزاب تحبّذ المال عــلـى النـضــال
كشف عدد من الأحزاب السياسية والمستقلين عن تركيبة قائماتهم الانتخابية, وقد حفلت رؤساء قائماتها بأسماء أكثرها معلومة لدى الرأي العام .لكن بعض الأحزاب لم تشذ على قاعدة انتخابات 2011 حين تخلى بعضها عن مناضليها التاريخيين وكلنا يذكر مثلا تخلي التكتل الديمقراطي عن مناضلته زكية الضيفاوي وتعويضها بشخصية ذات مال ونفوذ بجهة القيروان أو استقالة الكاتبة العامة لجامعة بنزرت سعاد الحاجي والإستعاضة بمهدي بن غربية كما استقال أيضا محمود الغزلاني من الحزب الديمقراطي التقدمي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل غيرت الأحزاب بوصلتها فحوّلت وجهتها من أسماء ذات رصيد نضالي، أم بحثت عن الرصيد البنكي لبعض رؤساء قائماتها؟ بمعنى لن تكون ممثلا للشعب مادمت معدما حتى ولو كان رصيدك من النضال سنوات من التهميش والسجن والمراقبة الإدارية .
المتعارف عليه هو أن الأحزاب تعوّل على مناضليها في ترؤس قائماتها الانتخابية اعتمادا على إشعاعهم ومدى شعبيتهم في مناطقهم لكن يبدو أن ذلك غير كاف لدى بعض الأحزاب التي تريد أن تضمن لنفسها أكبر عدد ممكن من المقاعد في المجلس النيابي القادم فاختارت تطعيم قائماتها بوجوه مشهورة في عالم المال والأعمال وحتى في الثقافة فقد ترشحت المخرجة السينمائية سلمى بكار واخرون من الميدان الرياضي في قائمات مستقلة في انتخابات 2011 كالوجه الرياضي المعروف فوزي البنزرتي وصلاح الدين الزحاف وشكري الواعر وغيرهم ولم يتمكن من الفوز سوى صلاح الدين الزحاف. لكن يبدو أن الأمر اختلف هذه المرة خاصة لدى الأحزاب الكبرى كالنهضة ونداء تونس.
رجال أعمال على رأس قائمات انتخابية
اختارت حركة النهضة رجل الأعمال وصاحب شركة الطيران محمد الفريخة ليكون على رأس قائمتها الانتخابية بصفاقس 1 بدعوى انفتاح الحركة على أصحاب المال والأعمال، كما اختارت أن يكون نوفل الجمالي وزير التشغيل السابق على رأس قائمتها في سيدي بوزيد هذا واستنجدت الحركة برجل الأعمال وليد لوكيل ليحتل المرتبة الثانية في قائمتها الانتخابية. ويبدو أن حركة نداء تونس لم تشذ عن القاعدة إذ اختارت أن يكون رجل الأعمال منصف السلامي على رأس قائمتها الانتخابية بصفاقس2 كما اختارت أيضا الوجه الرياضي ورجل الأعمال بشير بن عمر على رأس قائمتها بمدنين.
نداء تونس بدوره راهن على رجال الأعمال حيث رشح على قائمة نابل سيدة أعمال وهي سلمى اللومي الرقيق كما اختار وجها رياضيا واحد رجال الأعمال بالقصرين وهو كمال الحمزاوي، وعلى رأس قائمة سوسة رئيس النجم الرياضي الساحلي رضا شرف الدين.
إفلاس الأحزاب
وفي هذا الإطار كشف لنا الدكتور عبداللطيف الحناشي أستاذ التاريخ السياسي المعاصر أنه لا يعتقد أن أغلب الأحزاب وخاصة منها الكبيرة، قد اعتمدت مقاييس محددة لاختيار رؤساء القائمات غير مقياس الجاه والشعبية...وفي تونس أكثر الناس شعبية هم الذين ينشطون في عالم الرياضة والغناء (ليس الفنّ او الطرب) ورجال الأعمال من ذوي النفوذ المالي وهم أيضا الذين يسيطرون بشكل غير مباشر على عالم الرياضة من خلال التمويل والتسيير... ويوجد من بين كل هؤلاء من كانت له علاقات مشبوهة بمنظومة الفساد التي كانت سائدة سابقا واتخذت أشكالا أخرى حاليا... ويضيف الحناشي قائلا: «وفي الحقيقة لا تمثل هذه الممارسة سابقة بعد الثورة على الأقل، لكن نطاقها اتسع خلال التحضير للانتخابات التشريعية وقد عرفت قائمات انتخابات المجلس التأسيسي بعض من هذه الممارسات التي مارستها للأسف بعض الأحزاب التي عُرفت بنضالها وتصديها للاستبداد والفساد من ذلك أن الحزب الديمقراطي التقدمي قد خيّر ان يرأس قائمة بنزرت احد رجال الأعمال (الذي لم يكن عضوا في الحزب)عوض سيدة (قيادية على مستوى جهوي في الحزب)عُرفت بنضالها ضد نظام الاستبداد».
أما أسباب ذلك فهي متعددة منها: الضعف البنيوي لهذه الأحزاب ومحدودية حجمها وانتشارها الاجتماعي والجغرافي فضلا عن الرغبة المحمومة للوصول إلى السلطة (التمثيلية في البرلمان) وذلك دون الاهتمام بالمستوى العلمي والمعرفي والتاريخ النضالي لرئيس القائمة او أعضائها، ويمكن أن نستثني في هذا المجال حزب النهضة الذي حاول ان يكون وفيا لماضيه ومبادئه.
وكل ذلك يشير الى غياب مقاييس النبل والنضالية والكفاءة والمصداقية ونظافة اليد مقابل طغيان وسيادة عقلية الربح والنفعية في الممارسة السياسية...
ومن شان ذلك ان يبعد المُواطن عن الاهتمام بالسياسة والممارسة السياسية، وهو يرى إعادة إنتاج رموز كان يعتقد ان الثورة قد أبعدتها عن تحمّل المسؤولية نتيجة ارتباطاتها السابقة وينطبق ذلك أيضا على بعض الذين سيترشحون لرئاسة الجمهورية.
هل يتكرر السيناريو؟
إن أكثر ما يتخوف منه الملاحظون هو أن يعزف الناخبون عن التصويت باعتبار أن كثيرا من الوجوه قد وقع استهلاكها. وأخرى لا تمثلهم باعتبار أن فئة كبيرة من الناخبين هم من الشباب. وهو ما يعني أن الأحزاب السياسية اهتمت بإرضاء قياداتها فضلا عن تغذية قائماتها برجال الأعمال على حساب الطاقات الشابة.
عبد اللطيف العبيدي